يحكى أن رجلاً كان قوياً، مغتراً كثيراً بقوته، وكان مع غروره ناقص المروءة، حتى إنه يقطع الطريق على الضعيف والمريض، ولا يتورع أن يسلب المرأة أمتعتها، وكان له ولد صالح لا يرضى بعمله، حتى غدا دائم الغضب منه، يتمنى ويدعو الله أن يهديه ويرشده إلى طريق الخير.
ذات يوم قطع هذا الرجل الطريق على تاجر كبير السن، فلم يكتف بسلبه ما معه من بضائع محمولة على جمال، بل سلبه حتى بغلته التي كان يركبها في أسفاره، وتركه وحده بلا زاد ولا ماء في مكان منقطع، لكن الله اللطيف بعباده، جعل مسيرة عدد من الرجال تميل إليه، وحين رأوه، كان في أصعب حال من الخوف والتعب والعطش والجوع، غير أنه ما كان يائساً من رحمة الله سبحانه وتعالى، فحين عثر عليه الرجال وجدوه ساجداً يصلي لله صابراً محتسباً ينتظر رحمته.
وهكذا سقوه وأطعموه، ثم حملوه معهم إلى دياره، بل بحثوا معه عن ذلك الشخص القوي المغرور قاطع الطريق، الذي لم يعرفوا أين توجه وكيف اختفى.
بقيت هذه الحادثة في عقل التاجر كبير السن وروحه، وأخذ يجمع أخبار ذلك اللصّ ويراقبه، وقد قرر بينه وبين نفسه أن يرد لقاطع الطريق المغرور هذا العمل السيئ، ويعطيه درساً لعله يتعظ ويعود إلى طريق الله.
أخبر أهله وجماعة من أقربائه بما عزم عليه، وحمل عصاه التي يتوكأ عليها وقصد ذلك الرجل راجلاً، كانت هيأته هيأة تاجر ضل طريقه، أو تاجر قطعوا عليه الطريق وسلبوه ماله، إذ كان لا يحمل معه إلا الماء والقليل من الطعام.
سار على قدميه يوماً وليلة، وفي الصباح الثاني، وفي المكان الذي قدر أنه موجود فيه تظاهر بالتعب والأذى كما لو كان ضرب، وترك دموعه تنزل على خديه ولحيته، وأبطأ كثيراً في سيره، حتى رأى قاطع الطريق يسرع إليه راجلاً وسيفه في يده. يعترض طريقه صائحاً به:
من أنت يا رجل ؟ وما بك ؟ وما الذي أتى بك إلى هنا ؟
قال التاجر كبير السن بصوت مرتجف، وفكه يرتعش : أنا تاجر، كنت أصحب قافلتي، لكن صبياً أرعن قطع الطريق عليّ وأخذ جملي وبغلتي، وكاد يقتلني لولا فضل الله علي، الذي جعله يكتفي بضربي ويصرفه عن قتلي.
تعجب قاطع الطريق وقال مستنكراً : صبي يقطع الطريق ؟! أنا لم أسمع بأي صبي في هذا المكان كله !!
رد التاجر : لعله بدأ يقطع الطريق الآن.. ولعلي أول صيد يقع في يده .
أطرق قاطع الطريق يفكر قليلاً، ثم قاد الرجل إلى شجرة يربط هو فرسه إليها، فأعطاه قليلاً جداً من الماء وكسرة من خبز يابس، ثم حل رباط فرسه واعتلاها صائحاً بالرجل : اتبعني .
ولم يتكلم التاجر، بل ترك نفسه يسقط على حشائش الأرض وأشواكها، فصاح به الرجل : ألا تريد أن تدلني عليه ؟
قال التاجر : بلى ولكن رجليّ لا تحملاني .
وبسرعة مد قاطع الطريق يده إليه وقال له : هيا اركب خلفي لنلحق به قبل أن يبتعد .
كان قاطع الطريق يريد أن يلحق بذلك الصبي المزعوم ليأخذ منه كل ما أخذه من التاجر ثم يترك التاجر مكانه وكان التاجر شديد السرور في نفسه يخطط لتأديب هذا الرجل .
سارت الفرس بهما مسافة، حتى إذا أصبحا على ظهر تل طويل يشرف على واد، أسقط التاجر شيئاً، رآه قاطع الطريق فسأله : ماذا وقع منك يا رجل ؟
قال التاجر : إنه ما بقي من أكياس نقودي .
فهتف قاطع الطريق : تقول كيس نقود وقع منك ؟
رد التاجر : نعم.
فأوقف قاطع الطريق فرسه وتحرك ليرمي بنفسه إلى الأرض فما كان من التاجر إلا أن رفسه رفسة قوية أطاحت به إلى الوادي، وصاح التاجر مقهقهاً : أنا التاجر الذي سلبته ماله وطعامه وماءه قبل أيام هل نسيت، وها أنذا أردها عليك ولوى التاجر عنان الفرس وانطلق .
في الطريق فكر التاجر أن يعمل شيئاً حسناً، لعله يعيد قاطع الطريق اللصّ رجلاً صالحاً، ولأنه يعرف أن ابن الرجل من الناس الطيبين، فإنه قصد إليه بعد أيام، وقدم له فرس أبيه، وحكى له ما فعله معه، وقال له: أسرع إليه الآن، فحين تصل إليه ستجده مشرفاً على الهلاك عطشاً وجوعاً، وربما أصابه من وقعته ما أصابه .
شكر الابن التاجر الطيب، ووعده أن يعيد إليه ما بقي مع أبيه من ماله، وقال له : لعل مروءتك معه يا سيدي تعيد إليه صوابه، وتريه ما يفعل الشر للناس، وما يمكن أن يصنعه الخير وتصنعه المروءة .
ومن لحظته انطلق الابن في الطريق إلى أبيه، في حين بقي التاجر يتأمل في كل ما جرى له، وقال : ما أعجب هذه الدنيا وما أعجب الإنسان فيها !!
0 التعليقات:
Post a Comment